الحب هو اسمى المشاعر الانسانية وسيد العلاجات . لكن كثيرا ما يتم خلط مفهوم الحب بالتعلق المرضي الذي يرتبط بالتعاسة والمعاناة ، فالتعلق هو حالة ذهنيه تفتقر للوعي الكافي لتسمو لمرحلة الحب .

هناك اشكال سوية من التعلق كالتعلق بالله تعالى وتعلق الطفل بأمه والتصاقه بها في سنوات العمر الاولى فهذه تعلقات داعمه ودافعة للنمو والاستقرار النفسي وبدونها يتشوه البناء النفسي للإنسان .

يأخذ التعلق اشكال عديده ،يمكن ان يتعلق الانسان بالأشخاص او الممتلكات او العمل وقد يتعلق الشخص بأهداف معينه او حتى بصورته امام الاخرين .

اما التعلق العاطفي الذي اقصده فهو ميل مبالغ فيه نحو الشريك يفقد فيه الشخص استقلاليته وتذوب الشخصية وتختفي الهوية فيصبح تابع للمتعلق به تبعيه كامله .

التعلق علاقة قهريه مؤذيه ومتعبة ومحفوفة بالمخاطر ،قد تصل الى حد الهوس والانشغال الجنوني بالاخر وفقدان البوصلة في الحياة تغيب فيها الروابط المشتركة ويتعرض فيها الطرف الاخر لضغط نفسي عالي .

هذا الزوج في بداية حياته الزوجية يشكو زوجته التي تضيق عليه الخناق وانه يكاد يختنق من حبها الذي تحول الى حصار وعش الزوجية الذي تحول الى زنزانة !!!

وعلى الجهة الاخرى زوجة تشكو زوجها الذي يطالبها بالتفرغ التام له ويمنعها من العودة الى عملها او لقاء صديقاتها او ممارسة الحياة بصورة طبيعية كباقي البشر !!!

في هذا المقال سوف أسوق اليك عدد من السمات التي نستطيع من خلالها ان نفرق بيها بين علاقة الحب وعلاقة التعلق التي تختلف عن الحب في الدوافع والمشاعر وصور الارتباط.

اولا: هيمنة المتعلق به على تفكيرك فأنت منشغل به على الدوام والرغبة المستمرة في ذكره والحديث عنه والقرب الجسدي منه ،مع ظهور حزن وضيق واكتئاب وعزلة اجتماعيه وحالات من الهزال الجسدي في حالة غيابه .

ثانيا: التعلق يجعلك في حاجه دائمه لوجود الشخص بجانبك ليطمأنك ويشعرك بالأمان بينما في الحب يكون لشخص مكتفي ممتلأ بذاته يحب البقاء قرب محبوبه لكنه بخير في حالة وجوده او عدمه.

ثالثا: المتعلق شخص أناني يعتمد على الاخر في اسعاده فهي علاقة غير متزنة مبينه على الاخذ فقط حيث يفترض المتعلق ان على الطرف الاخر العطاءوبذل الجهود في العلاقه فيظل يتطلب ويفرض رغباته المفرطة دون اكتراث لمشاعر ورغبات الاخر .

رابعا: حب للتملك والسيطرة على الاخر يقود احيانا الى اندفاعات عاطفيه عنيفة وتصرفات خرقاء قد تسبب احراج ومشاكل اجتماعيه للمتعلق به.

خامسا: المتعلق في حالة قلق وخوف طوال الوقت يخشي من الفقد او الهجران مما يقود الى خسائر نفسيه كبيره في المستقبل .

سادسا: التعلق يفقد الشخص حريته يخاف المتعلق من نجاح شريكه او تطوره فيفرض عليه اعباء اضافيه ليعطل نموه حتى يضمن ان يظل بقربه.

بينما الحب يقوم على الدعم والاهتمام والنمو المتبادل حيث يساعد المحب شريكه للوصول الى اهدافه وتحقيق احلامه.

سابعا: الحب علاقة تبادليه تقوم على التفاهم والتقارب الفكري والنقاش البناء وقبول الاخر واحتضانه بعيوبه والسعي معا لإنجاح العلاقة وادارة الحياه بينما المتعلق يسعى دوما لتأنيب الاخر ولومه والتعبير عن احباطه لاخفاق الشريك في اسعاده ويتخلى المتعلق عن مسؤولية حياته تماما.

ثامنا: يرفض المتعلق فكرة الانفصال بشدة مهما كانت درجه التوتر وعدم التوافق في العلاقة و في حال حدوث الانفصال يكره المتعلق شريكه المنفصل ويحتقره وقد يشعر ان حياته انهارت وانتهت ويدخل في صراع نفسي وعزلة ونوبات عنيفة من البكاء وقد يدفعه ذلك الى ايذاء نفسه او الحاق الاذى بالأخر بكل الطرق الممكنة .

اسباب التعلق:

١. الجوع والحرمان العاطفي في الاسرة ، سواء كان بسبب الانفصال والبعد الجسدي او غياب الادوات المعرفية التي تمكن الآباء من التعبير عن الحب لأبنائهم مما يعزز الشعور بالرفض والهجران وفقدان الانتماء.

٢. التأثر بالنماذج المقدمة اما في المجتمع والمحيطين او الاغاني والافلام والاعلام والروايات .

٣. ضعف الاتصال بالخالق تعالى الذي يخلق نوع من الفراغ والخواء الداخلي يسعى الشخص لتعبئته بأي شكل من اشكال التعلق المرضي.

‎في القلب شعث : لا يلمه إلا الإقبال على الله)
‎(وعليه وحشة : لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته

٤. وفرة التعزيز في العلاقة ، تقدم العلاقة لذة بالغه تدعم الاستمرار في التعلق .

٥. الاضطرابات الشخصية ، الشخصية الاعتمادية التي تنتج اشكال من التعلقات المرضية واضطراب الشخصية الحدية والنرجسية التي تعزز دائما حوجة الناس اليها.

اخيرا ،، حتى تتجنب التعلق في علاقاتك حافظ على اتزانك العاطفي وايقين ان هناك مصادر متعددة للمدد العاطفي في الكون من الاتصال بالخالق ، والعلاقة السوية بالأهل والاصدقاء .

ارفع تقديرك لذاتك وتحمل مسؤولية حياتك واربط نفسك بقيم عليا وادعم المعتقدات المغذية لها وارفع فاعليتك في جوانب حياتك الدراسية والمهنية والروحية.

حاول ان تتفهم مشاعرك وتتعرف على رغباتك غير المشبعة بصورة جيده حتى يسهل عليك تميز مشاعر التعلق وبالتالي ادارتها والتعامل مع السلوكيات الناتجة عنها.